خضرجي الوكيل
من موسوعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى:
تصفح,
بحثوُلد بمدينة دمنهور بمحافظة البحيرة في تاريخ 1/1/1929م، التحق بجماعة
الإخوان المسلمين من خلال حفلة صغيرة أقامتها شعبة الإخوان بأبو ريش أمام منزله، وكان وقتها يعمل في مهنة إصلاح "بوابير الجاز"؛ التي ظل فيها حتى صار رمزًا إسلاميًّا معروفًا عنه الصدق والتفاني في عمله.
كانت له غرفة خاصة به في مسجد "المرادني" بدمنهور؛ يلجأ إليها من بعد صلاة الظهر ويغادرها بعد صلاة العصر ثم يعود إليه مع صلاة المغرب ويتوكأ على عصاه ومرافق له بعد صلاة العشاء ليصل إلى بيته خلف محلج القطن بالأبراج، وكنت دائمًا حين أطرق عليه باب غرفته أجده ملازمًا لكتاب الله وكتاب رياض الصالحين، وحينما أسأله عنهما يقول- وهو قد تجاوز الثمانين عامًا- أُنهِي قراءة وردي القرآني، وأراجع حفظي لبعض الأحاديث؛ فهذا عهدنا في أُسَر الإخوان، ولم يكن ينسى أن يطمئن على بعض إخوانه كبار السن بالهاتف بصورة شبه يومية، والأغرب أنه حينما ضيق عليه جهاز أمن الدولة بدمنهور وأغلق هذه الغرفة تعب أيامًا قليلةً ولم يكن يتخلى عن أن يفعل ما هو أروع فيُرَى في صلاة الفجر في مسجد النمر، وفي صلاة الظهر والعصر في مسجد أبو السعود، وكان يذهب لصلاة المغرب بمفرده في مسجد فاطمة الزهراء بالأبراج وهو بعيد عنه ومتعب، في طريق أطول إلى مسجد المرادني ليصلي العشاء.
والأهم قبل أن يُجري (إخوان أون لاين) حديثًا معه أنه أعلن عن سرِّ الأوراق التي تسلَّمها من الحاج المجاهد
محمد الدسوقي بقينة رحمه الله مسئول إخوان البحيرة السابق قبيل اعتقاله لمدة 20 عامًا وحفاظه عليها دون أن يعلم ما فيها إلا عند خروج الدسوقي وسؤاله عنها وتسلّمها منه مرةً أخرى كما هي، وحمدا الله سبحانه وتعالى أن هذه الأوراق ما زالت موجودة!.
حاول (إخوان أون لاين) أن يفتح معه حديث ذكريات سريعًا، رغم ظروفه الصحية؛ فكان اللقاء مع "خضر عبد الحميد محمد الوكيل" الشهير بـ"خضرجي" أحد رعيل الجماعة بمحافظة البحيرة.
* بدايةً كيف التحقت بالإخوان؟
كانت هناك حفلة في منطقة أبو ريش؛ يتكلمون فيها عن الإسلام وكنا صغارًا نلعب، فسمعنا من ينادي من داخل الحفل: "هلموا إلينا أيها الشباب.. هذه دعوتكم.. دعوة الحق والحرية..." واستمر في تلك الدعوات حتى انضمت مجموعةٌ كبيرةٌ منا بعدما سمعوا كلامًا جديدًا عليهم، فكانوا أول مجموعة من العمال تنضمُّ إلى شعبة أبو ريش؛ التي كانت مبنيةً على الطلاب، وكتبنا استمارات التحاق بالشعبة التي كان مسئولها الحاج
عبد الحميد سعد رحمه الله، وسلمونا زي الجوالة، ومضت الأيام حتى خرجنا في استقبال الإمام
حسن البنا، وكان معه مجموعة من باكستان في عرض "مشاعل" للجوالة، وانتهى الحفل وطلب من إخوان دمنهور الذهاب إلى "سندرة" مسجد الحبشي للقاء الإمام البنا.
* وماذا عن لقاء الإمام
حسن البنا؟!
لما دخل الإمام البنا علينا قام له أخ من أحد مراكز البحيرة واقفًا، فسأله الإمام: لماذا وقفت؟ فأجاب: عشان سيادتك دخلت؛ فقال له الإمام البنا: وأنا أزيد عنك إيه؟ وبدأ الأستاذ البنا في التعارف، وجاء دوري فقلت له اسمي وأنني أعمل "سمكري بوابير"، فداعبني قائلاً: "ده أنت مهم، ويجب أن تتقن عملك؛ لأن معك أرواح الناس في إيديك، وإحنا إن كنا لا نأكل على البابور حناكل على إيه؟" فقلت: إحنا عندنا في البيت بنتشغل على الكانون (ملاحظة: البابور كان شيئًا جديدًا ومهمًّا للناس، وكان المعروف الكانون).
وبدأ يحدثنا عن الحب في الله، واحترام بعضنا البعض، وسأل: ما فيش حد عنده كلام عن الحب، وفتح البنا رحمه الله حديثًا طويلاً حول هذا المعنى.
* ما أكثر معنى تأثرت به من البنا رحمة الله عليه؟
كان دائمًا يزورنا ويجالسنا ويعلِّمنا من خواطره، ولكن لا أنسى أن من أجمل ما سمعته في آخر المرات قبل اغتياله وكأنها وصية مودع: "تمسَّكوا بكتاب الله وسنة نبيكم، ومهما اجتمعت عليكم الدنيا كونوا مع الله".
* شهر رمضان ماذا كان يعني لديكم قبل دخول الإخوان وبعده؟
رمضان دائمًا كان له مذاقه الخاص الذي يستشعره الناس جميعًا في زماننا، ومع الإخوان كانت له صفات جميلة للغاية؛ تأخذك لمعاني الربانية والطاعة والحب العميق، والانتشار الكبير وسط المجتمع لتستشعر معها حلاوة أن يتنزل رضا الله على قوم، وأن جليس قوم لا يشقى بهم.
* ما الفارق بين رمضان زمان والآن؟
كان فيه "روح" والحب الآن قليل، زمان الناس كانت تشعر برمضان من قبلها بفترة، وتستعد له، وتفرح به؛ فهو موسم العبادة والبيع والشراء، أما الآن فرمضان بالنسبة للناس عادي بسبب الغلاء الذي أصابهم والانشغال بالدنيا أكثر، وبسبب الإخوان ووجودهم ونشاطهم وسط الناس منذ نشأتهم لم تضِع معاني هذا الشهر الكريم وروحه، مع أني متأكد أن الحب ما قلَّ في صفوف الإخوان، وأن رمضان لديهم شهر يزيد من إيمانهم وحبهم وتكافلهم وأخوَّتهم.
* نعود مرةً أخرى إلى الإخوان وأنا أعرف أنك حافظت على أوراق مهمة تخص عمل الجماعة في البحيرة لمدة عشرين عامًا أيام حرب عبد الناصر للإخوان.. ما هي ولماذا؟
(رفض في البداية وتبسَّم.. ومع إصرارنا تحدث قائلاً): "كان ورقًا يخص عمل الإخوان التنظيمي في فترةٍ مارَسَ فيها عبد الناصر ضد الإخوان كافةَ أنواع التعذيب من اعتقالات، وقُدِّر أن يأتي إليَّ الحاج محمد الدسوقي بقينة، مسئول الإخوان في البحيرة آنذاك، في مقر عملي كسمكري وابور، ويقول لي أنا متابَع وفي انتظار أن أُعتقل، ومن الممكن أن أُعتقل بعد خروجي من عندك، فلا تعرفني واحرق هذه الأوراق جيدًا".
ودُهِشْت من كلامه، ومضى، ومضيت أنا أفكر ماذا أفعل بهذا الورق! فهداني ربي أن أضعَها داخل أحد الأجهزة التي نصلحها، وللآن لم افتح الورق ولم أعرف ما في داخله ولم تمر خمس دقائق إلا وسمعت خبر اعتقال الدسوقي رحمه الله؛ الذي اعتقل لمدة تقارب عشرين عامًا في سجون الظلم، وحينما خرج بدأ بتجميع الإخوان ليتحرك بعمل الإخوان من جديد ومرَّ عليَّ في مقر عملي وقال لي: إزيك يا خضر؟ عامل إيه؟ فأجبت قائلاً: أنت مش ناوي تاخد الورق اللي عندي ده؟ فأخذته فرحة كبيرة ظهرت على وجهه، متسائلاً وأنت لم تحرقه بعد؟! فقلت: لا، فأخذه، وعرفت منه أن هذا الورق سيسهِّل عملية تجميع الإخوان؛ حيث إن فيه انتخابات الإخوان في البحيرة كلها، فحمدنا الله على ذلك، وتحرك عليه رحمة الله في سبيل تجميع الصفوف مرةً أخرى.
* كلمة أخيرة إلى الإخوان..
عودوا فليس لها سواكم عودوا عودوا فعودكم البهيُّ مجيد أين الذي باهى بهدم بنياننا والنصر فوق لوائنا معقود؟!
عمر هذه الدعوة ما تنهزم، ولن تستطيع قوة- أيًّا كانت في الأرض- هزيمتها؛ فأنا عايشت كل القوى والحكومات التي عادت جماعة الإخوان؛ فانتهت هي وبقيت الإخوان بفضل المنعم الوهاب.
وأقول: إنه مهما كانت العواصف شديدة فلن تنال من الإخوان؛ لأنهم مرتبطون بحبل الله المتين، ولن نضعف ما دام التزامنا قويًّا، وإن الإخوان صابرون، ولن تجرها أفعال الدولة لكي تنتقم من أحد، فردُّ فعل الإخوان منذ سجون عبد الناصر وقبلها هو الصبر والاحتساب وتهيئة المجتمع للتغيير، ولكن انتقام الله وعدله لن يترك الظالمين وسينصر أهله الصابرين المصلحين